المخدرات بين الإغراء المادي وآليات التحصين
عن الاقتصادية
بقدر ما نسعد للإنجازات التي تحققها الأجهزة الأمنية في سياق محاربة المخدرات، وآخرها حتى الآن ما تم منذ شهر رجب حتى نهاية شهر رمضان الماضي، حيث ضُبط 210 أشخاص في 18 عملية تهريب وحيازة وترويج أطنان وملايين من الحبوب المخدرة تقدر قيمتها ــ حسب اللواء منصور التركي المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية ــ بأكثر من 330 مليون ريال.. نقول: بقدر ما نسعد بمثل هذه الإنجازات والتضحيات الأمنية الواعية التي تحمي الوطن وأبناءه من شرور المخدرات، بقدر ما تتزايد معدلات القلق في نفوسنا نتيجة هذا الاستهداف البشع للداخل السعودي، وبمثل هذه الكميات المخيفة، التي عزاها اللواء التركي، إلى قلة المعروض نتيجة الملاحقة الكبيرة، وبالتالي ارتفاع الأسعار والمستوى المادي للمجتمع السعودي، الذي يغري ضعاف النفوس من العاملين في هذه التجارة البغيضة للعمل بكل وسيلة من أجل الوصول إلى الداخل، رغم المخاطر الكبيرة التي يعيها هؤلاء قبل غيرهم نتيجة يقظة السلطات الأمنية السعودية وقدراتها المتنامية والمتطورة في ميدان الكشف عن المخدرات مهما كانت أساليب تهريبها وضبطها قبل وصولها إلى أهدافها، وهو ما تحقق في عدد كبير من العمليات الاستباقية التي تمت قبل أن تتسلل إلى أرض الوطن.
وبمثل ما يجب أن نحيي وزارة الداخلية بقطاعاتها الأمنية كافة على هذه اليقظة، ونترحم على شهداء الواجب الذين يقدمون أرواحهم من أجل حماية الدين والوطن، يجب أن نحيل هذا الشعور بالقلق من هذا الاستهداف السافر أيا كانت أسبابه أو دوافعه إلى قلق إيجابي، يدفع المجتمع بكل أفراده ومؤسساته إلى التحرك لمساندة جهود وزارة الداخلية في محاربة المخدرات، لنحمي بلادنا وشبابنا من تبعات هذه الآفة المدمرة التي لا يتوقف أثرها عند حد امتصاص خيرات البلاد وحسب، إنما يتعداه إلى ما هو أخطر بتدمير قوى العمل والتقدم من خلال ضرب الشباب الذين يشكلون عماد النهضة الوطنية وأساس المستقبل، وهي مهمة شاقة بالتأكيد، لكنها ليست مستحيلة متى ما استطعنا أن نضع هذه المضبوطات الضخمة والخطيرة التي تعلنها وزارة الداخلية من حين إلى آخر في الموقع الذي تستحقه من الاهتمام، ما يعني أن المجتمع يتعرض لاستهداف حقيقي.. تكفي بعض هذه المضبوطات فيما لو تمكنت من الإفلات من قبضة الأمن لأصابته في مقتل ــ لا سمح الله ــ، وهذا ما يستدعي بالفعل الخروج من إطار التوعية بالمواعظ إلى بناء استراتيجيات مواجهة فاعلة تستهدف الوصول إلى الشباب في أماكنهم واستقصاء الدوافع التي تجعلهم عُرضة للوقوع في مثل هذه الشرور والعمل على تصويبها.
وزارة الداخلية التي لا تزال تتحمل العبء بمفردها مشكورة، وبحكمة النائب الثاني استطاعت أن تتحرك على أكثر من صعيد بما في ذلك البحث في مسألة أندية الأحياء وتشجيع الشباب على الانخراط في نشاطاتها، إلى جانب الدراسات التي تتبناها في سياق المواجهة والمكافحة، تحتاج إلى موقف اجتماعي واسع لا ينتهي عند حد التصفيق لمنجزاتها الأمنية، أو الإنكار لهذه الجرائم وحسب، إنما يتجاوز كل هذا ليلاقي جهود الوزارة في منظومة عمل يكمل بعضه بعضا، ويحمي الوطن والمجتمع من هذا الداء الخطير والقاتل.
نحن في حاجة إلى أن نجد منجزات أخرى مشابهة لما حققته ''الداخلية'' في مجال الرصد والملاحقة والضبط، في حاجة إلى نتائج ملموسة لكراسي البحث العلمي المختصة بمحاربة المخدرات، التي أنفق عليها بعض المحسنين، تقدم لنا كمجتمع أساليب توعية تتلاءم مع واقع العصر وزئبقية آليات التهريب والترويج، وتضع في متناول مؤسسات التعليم والتجمعات الشبابية كالأندية برامج قادرة على الوصول إلى عقول الشباب وباللغة التي يجيدونها.. وصولا إلى أفضل النتائج التي تدفع المتاجرين بخراب المجتمعات إلى الزهد في مجتمعنا بفاعلية التحصين الأمني والديني والأخلاقي والصحي.. وهذا هو المهم.