العقرب اسير الظلام مدير المنتدى
عدد المساهمات : 279 تاريخ التسجيل : 17/08/2010 العمر : 64 الموقع : المنطقة الشرقية - مدينة الدمام
| موضوع: سلسلة الاحاديث الاربعين النووية وشرحها - الحديث الواحد الثلاثون الأربعاء 08 ديسمبر 2010, 03:43 | |
| رقم الحديث : 31 عن أبي العَبَّاسِ سَهْلِ بن سعْدٍالسَّاعِدِيِّ رضي اللهُ عنه قال: جاء رَجُلٌ إلى النَّبِّي صلى الله عليه وسلمفقال: يا رسوَل اللهِ، دُلَّني على عَمَلٍ إذَا عَمِلْتُهُ أَحَبَّني اللهُوأَحَبَّني النَّاسُ. فقال: "ازْهَدْ في الدُّنيا يُحِبَّكَ اللهُ، وازْهَدْ فيماعِنْدَ النَّاس يُحِبَّكَ النَّاسُ". حديث حسن رواه ابن ماجه وغَيْرُهُ بأسانيدَحَسَنة. مفردات الحديث: "أحبني الله": أثابني وأحسن إليَّ "وأحبنيالناس": مالوا إلي ميلاً طبيعياً ، لأن محبتهم تابعة لمحبة الله، فإذا أحبه اللهألقى محبته في قلوب خلقه. "ازهد": من الزهد، وهو لغة: الإعراض عن الشيءاحتقاراً له، وشرعاً: أخذ قدر الضرورة من الحلال المتيقَّن الحِلّ."يحبَّك الله": بفتح الباء المشددة، مجزوم في جواب الأمر. المعنى العام: معنى الزهد: تنوعت عبارات السلف والعلماء الذين جاؤوا بعدهم في تفسير الزهد في الدنيا، وكلهاترجع إلى ما رواه الإمام أحمد عن أبي إدريس الخولاني رضي الله عنه أنه قال: "ليسالزهادة في الدنيا بتحريم الحلال ولا إضاعة المال، إنما الزهادة في الدنيا أن تكونبما في يد الله أوثق منك بما في يديك وإذا أصبت مصيبة كنت أشد رجاء لأجرها وذخرهامن إياها لو بقيت لك" وفي هذا القول تفسير الزهد بثلاث أمور كلها من أعمالالقلوب لا من أعمال الجوارح، وهذه الأمور الثلاثة هي: أن يكون العبد واثقاًبأن ما عند الله تعالى أفضل مما في يده نفسه، وهذا ينشأ من صحة اليقين، والوثوق بماضمنه الله تعالى من أرزاق عباده، قال الله تعالى:{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِإِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6]. أن يكون العبد إذا أصيب بمصيبة في دنياه،كذهاب مال أو ولد، أرغب في ثواب ذلك أكثر مما لو بقي له. أن يستوي عندالعبد حامده وذامه في الحق، قال ابن مسعود رضي الله عنه: اليقين أن لا تُرضي الناسبسخط الله. الزهد في الدنيا أن لا تأس على ما فات منها، ولا تفرح بما أتاكمنها. أقسام الزهد: قسَّم بعض السلف الزهد إلى ثلاثة أقسام: الزهد فيالشرك وفي عبادة ما عُبِد من دون الله. الزهد في الحرام كله منالمعاصي. الزهد في الحلال. والقسمان الأول والثاني من هذا الزهدكلاهما واجب، والقسم الثالث ليس بواجب. الحامل على الزهد: والذي يحملالإنسان على الزهد أمور منها: استحضار الآخرة، ووقوفة بين يدي خالقه في يومالحساب والجزاء، فحينئذ يغلب شيطانه وهواه، ويصرف نفسه عن لذائذ الدنيا الفانية. استحضار أن لذات الدنيا شاغلة للقلوب عن الله تعالى. كثرة التعبوالذل في تحصيل الدنيا، وسرعة تقلبها وفنائها، ومزاحمة الأرذال في طلبها، وحقارتهاعند الله تعالى، قال صلى الله عليه وسلم: " لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناحبعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء". رواه الترمذي. استحضار أن الدنياملعونة، كما في الحديث الحسن الذي رواه ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه: "الدنيا ملعونةٌ، ملعونٌ ما فيها، إلا ذكر الله تعالى وما والاه، أو عالم أومتعلم". تحقير شأن الدنيا والتحذير من غرورها: والزاهد في الدنيا يزيد موقفهصلابة وقوة عندما يتلو آيات ربه عز وجل، فيجد فيها تحقير شأن الدنيا والتحذير منغرورها وخداعها، قال الله تعالى:{ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى: 16-17]. وقال سبحانه: {قُلْ مَتَاعُالدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنْ اتَّقَى} [النساء: 77] وروى مسلم عنالنبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل أحدكم إصبعه فياليمِّ فلينظر بما يرجع". الذم الوارد للدنيا ليس للزمان ولا للمكان: وهذاالذم الوارد في القرآن الكريم والسنة النبوية للدنيا، لا يرجع إلى زمانها الذي هوالليل والنهار المتعاقبان إلى يوم القيامة. ولا يرجع الذم للدنيا إلى مكانهاالذي هو الأرض التي جعلها الله مهاداً ومسكناً، ولا إلى ما أنبته فيهامن الزرعوالشجر، ولا إلى ما بث فيها من مخلوقات، فإن ذلك كله من نِعَم الله على عباده، ولهمفي هذه النعم المنافع والفوائد، والاستدلال بها على قدرة الله عز وجلووجوده. بل الذم الوارد يرجع إلى أفعال الناس الواقعة في هذه الحياة الدنيالأن غالبها مخالف لما جاء به الرسل، ومضر لا تنفع عاقبته، قال الله تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌبَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَالْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا} [الحديد: 20]. قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى: وانقسم بنو آدم فيالدنيا إلى قسمين: أحدهما: من أنكر أن يكون للعباد دار بعد الدنيا للثوابوالعقاب وهؤلاء هم الذين قال الله فيهم: {إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَاوَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْآيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ النَّارُ بِمَا كَانُوايَكْسِبُونَ} [يونس: 7-8]. وهؤلاء همهم التمتع في الدنيا واغتنام لذاتها قبل الموت. والقسم الثاني: من يُقِرّ بدار بعد الموت للثواب والعقاب، وهم المنتسبون إلى شرائعالمرسلين. وهم منقسمون إلى ثلاثة أقسام: ظالم لنفسه ومقتصد وسابق بالخيرات بإذنالله. فالأول: وهم الأكثرون، الذين وقفوا مع زهرة الدنيا بأخذها من غيروجهها واستعمالها في غير وجهها، فصارت أكبر همهم، وهؤلاء هم أهل اللهو اللعبوالزينة والتفاخر والتكاثر، وكل هؤلاء لم يَعْرِفَ المقصودَ منها، ولا أنها منزلسفر يتزود منها إلى دار الإقامة. والثاني : أخذها من وجهها، لكنه توسع فيمباحاتها، وتلذذ بشهواتها المباحة، وهو وإن لم يعاقب عليها، ولكنه ينقص من درجاتهفي الآخرة بقدر توسعه في الدنيا، روى الترمذي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله إذا أحب عبداً حماه من الدنيا كما يَظَلُّ أحدكم يحمي سقيمه منالماء". والثالث: هم الذين فهموا المراد من الدنيا، وأن الله سبحانه إنماأسكن عباده فيها وأظهر لهم لذاتها ونضرتها، ليبلوهم أيهم أحسن عملاً، فمن فهم أنهذا هو مآلها واكتفى من الدنيا بما يكتفي به المسافر في سفره، وتزود منها لدارالقرار. روى الحاكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "نعمت الدارالدنيا لمن تزود منها لآخرته حتى يرضي ربه، وبئست الدار لمن صدت به عن آخرته وقصرتبه عن رضا ربه". كيف نكتسب محبة الله تعالى: نستطيع أن نكتسب محبة اللهتعالى بالزهد في الدنيا والابتعاد عن محبتها الممنوعة أي عن إيثارها لنيل الشهواتواللذات وكل ما يشغل عن الله تعالى. أما محبتها لفعل الخير والتقرب به إلى الله فهومحمود، لحديث " نعم المال الصالح للرجل الصالح يصل به رحماً، ويصنع به معروفاً" رواه الإمام أحمد. كيف نكتسب محبة الناس: ويعلمنا الحديث كيف ننال محبةالناس، وذلك بالزهد فيما في أيديهم، لأنهم إذا تركنا لهم ما أحبوه أحبونا، وقلوبأكثرهم مجبولة مطبوعة على حب الدنيا، ومن نازع إنساناً في محبوبه كرهه ومن لميعارضه فيه أحبه واصطفاه. قال الأعرابي لأهل البصرة: من سيدكم ؟ قالوا: الحسن. قال: بما سادكم ؟ قالوا: احتاج الناس إلى علمه واستغنى هو عن دنياهم. فقال: ما أحسنَ هذا . وأحق الناس باكتساب هذه الصفة الحكام والعلماء، لأن الحكام إذا زهدواأحبهم الناس واتبعوا نهجهم وزهدهم، وإذا زهد العلماء أحبهم الناس واحترموا أقوالهموأطاعوا ما يعظون به وما يُرْشِدون إليه. زهد رسول الله صلى الله عليه وسلموزهد أصحابه الكرام: وإذا كنا نبحث عن القدوة في حياة الزاهدين، فإننا نجد ذلكمتمثلاً في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم عملاً وسلوكاً، لقد عاش النبي صلىالله عليه وسلم قبل الهجرة وبعدها، وفي أيام الشِّدة والرخاء زاهداً في متاعالدنيا، طالباً للآخرة، جاداً في العبادة. وقد تأسى به أصحابه الكرام فكانوا سادةالزهاد وأسوة للزاهدين. لقد جاءتهم الدنيا بالأموال الحلال فأمسكوها تقرباًلله تعالى وأنفقوها في خدمة دينه وإعلاء كلمته. الزهد الأعجمي: إن الزهدبمعناه الإسلامي هو ما بيناه، أما الزهد الأعجمي فهو الإعراض الكامل عن نعم اللهوالتحقير لها، والحرمان من الاستمتاع بشيء منها، وقد تأثر بعض المسلمين بهذاالمفهوم الأعجمي للزهد، فأصبحنا نجد أناساً في عصر ضعف الدولة العباسية وما بعده،يَلْبَسون المرقعات ويقعدون عن العمل والكسب، ويعيشون على الإحسان والصدقات،ويَدَّعون أنهم زاهدون. مع أن روح الإسلام تأبى هذه السلبية القاتلة، وترفضهذا العجز المميت، وتنكر هذا الذل والتواكل. والمسلمون اليوم أصحاء من مثلهذه العقلية المريضة، يندفعون إلى العمل والكسب الحلال، ويتنافسون في تحصيل الربحوإعمار الأرض، حتى أصبحنا نخاف على أنفسنا الغفلة عن الآخرة، ونبحث عن المهدئاتالتي تذكرنا بالله تعالى وتدعونا إلى الزهد في الدنيا. | |
|