مفارقات بين القديم والحاضر

قديم لا يرجع

كانت الدنيا تعم بالبراءة والعفوية والصدق في كل شيء في الحديث والعمل في التصرف والإحساس في المعاملات والتعامل كان كل شخص يأمن على مشاعره وأحاسيسه سواء كان رجل أو امرأة شابا أو فتاة حتى الأطفال كانت حياتهم تتأثر بذلك تأثيرا تجده في تصرفاتهم وأفعالهم وأقوالهم حتى أثناء لعبهم . هناك فروق كثيرة بين تلك الأيام وبين ما نعيشه هذه الأيام الغربية والعجيبة أردت أن المس ذلك الفارق بنفسي فقلت لماذا لا أقوم بجولة هذه الأيام في عدة أحياء كانت قديمة اذكرها بصورها ومناظرها التي يمكن أن نصفها هذه الأيام بالحياة ذات اللون الأبيض والأسود وبالرغم من عدم وجود الألوان بها إلا أنها كانت أجمل وأبهى من كل هذه الأيام التي تعددت فيها الألوان وتطابقت إلا ابعد الحدود بالحقيقة فكانت لا تخفي خلفها حياة مزيفة وأخلاق خاوية ونفوس غير واثقة وشكوك وضياع وانفلات وشذوذ وغربه وعدم استقرار واستقامة .

نعم رجعت إلا ماضي لن يتكرر وقديم لن يرجع فنظرت إلا أبواب البيوت والعمائر فرأيتها مغلقة وكأنها خزائن أموال وليست مساكن أهل الكرم والجود والمروءة والشهامة والإسلام والمسلمين .

نظرت إلا الشوارع فوجدتها تعج بجنسيات وأشكال وألوان من المعتقدات والسلوكيات والأفكار والتصرفات التي لا علاقة لها بنا كمسلمين وعرب .

تجولت فلم أجد أي معلم من المعالم التي كانت تتميز بها مجتمعاتنا وحياتنا في هذه الأحياء وكأنني انتقلت من ارض العرب إلا أوطان ومجتمعات غريبة وشعوب مختلفة .

قلت في نفسي لعلى أجد في بيوت الله ضالتي فدخلت مساجد الأحياء فوجدتهم لا يعرفون بعضهم البعض إلا شكلا فلا يعلم أي منهم عن أحوال من حوله إلا ممن له مصالح معهم أو مكاسب يرجوها منه .

تساءلت عن أسباب جهلهم بأحوال مجتمعهم فكانت إجاباتهم واهية ومبرراتهم خاوية لا يقبلها عقل سليم ولكن من الممكن أن تكون مبررات قويه لمن أراد التذرع والاختباء من نقصه وتدني إيمانه بما يجب عليه تجاه أهلة ومجتمعه .

هنا عدت بالذاكرة إلا الوراء وتذكرت حينما كانت الأبواب مشرعة على مصراعيها وليست مفتوحة فقط كنت ترى ساحة البيت ( الحوش ) أو ( الصالة كما يدعونه الآن )

كنا إذا توازينا بباب البيت نري جارنا يتوسط مجلسه مرحبا بكل من تقع عينيه عليه من أهل الحي المارين أمام منزله , ليس هذا وحسب فربما وقع نظرك على احد معالم ذلك البيت أو أثاثه البسيط وقد تلاحظ النساء وهن يقممن ويرتبن ذلك البيت في منظر لن يتكرر أبدا .

كان الحياء والاستحياء في كل النفوس فالكل أهل وجيران وإخوان والنساء عرض وشرف جميع رجال الحي أو المدينة والوطن . كانت النساء لا يلتفتن حولهن كما يحدث اليوم ليس لأنهن اقل علما أو أنهن اضعف من الرجال بل لأنهن تقيدن بتعاليم وتوجيهات خالقهن فأبعدهن الله عن كل ما يدور في عقول الكثيرات منهن هذا الزمان بالرغم من وجودهن في وسط بسيط ومحتاج إلا أنهن احتشمن في ملبسهن وسترن عوراتهن وأيقن يقينا قاطعا بأن من حولهم في الحي أو المدينة بأسرها من به حياء وعقيدة ودين وأخلاق ورجولة وقبليه وغيرة وشهامة وحميه تمنعه من ذلك الأمر المشين والسلوك الأعوج والعادات الدخيلة فلا تجد من يتلصص ليسترق النظر إلا داخل البيوت أو إلا متاع الغير أو عوراته وقلما تجد من يشيح بنظره إلا مداخل البيوت أو فتحات الأبواب كما هو الحال اليوم بعد أن سيطرت العادات الدخيلة على مجتمعنا البسيط والبريء والأصيل بتوافد الكم الهائل من الأجناس والجنسيات التي تغلغلت في أعماق مجتمعنا وبين أفراد أسرنا وداخل مساكننا ولأنهم لا يعرفون الأمن وليس لديهم أي وازع ديني أو أخلاقي أصبحنا نجد كل أفكارهم وعاداتهم داخل حياتنا فتري من يدقق النظر في نوافذ البيوت والبنايات متمنيا أن يجد أمرا من أمور المتعة والتسلية المريضة او من يتناقل الاخبار الفاضحة او المشاركة في نشر الرعب والخوف والتهديد والابتزاز مما سبب الكثير من الضياع والهلاك والنميمة والجاسوسية بين الجميع .

اليوم الكل يتلصص على الكل والعادات أصبحت من الماضي فلا تعرف من أين تنصب عليك المصائب والافتراءات ولا تعلم كيف تنتقل الأخبار الفاسدة بسرعة البرق من اجل الدرجات والمناصب نعم أصبحنا كمملكة السمك التي يأكل الكبير القوي فيها الصغير الأضعف ليس هذا هو الأمر فقط بل وأصبحنا ننحدر إلا جرف سحيق لا نعلم له نهاية ولا قرار فأصبحنا نشك في أنفسنا وأصدقائنا وأهلنا وأبنائنا وكل من حولنا لأننا فقدنا ثقتنا بمبادئنا وضيعنا قواعد حياتنا وأدخلنا غربة أهل الغرب إلا بيوتنا وبكل إصرار منا فانفلت الجميع كما تنفلت حبات الخرز من خيط العقد أو السبحة لتتناثر على ارض رخام وتتباعد وتتنافر كما تتنافر الأقطاب كل العلاقات أصبحت مزيفة وتعكس شخصيات أصحابها فلا وفاء ولا إخلاص ولا صدق ولا ثقة ولا محبة ولكن هناك الكثير من الكذب والغش والخداع وضياع الضمير واختفاء الإحساس وموت القلوب وقسوة المشاعر أصبحنا كالغرب نصادق من اجل حاجة ونحب من اجل غاية ونقترن من اجل واجهة اجتماعية بينما ينخر في جذوعنا وأفكارنا سوس الغدر والخيانة والشك .

كيف نعيد الثقة إلا حياتنا وكيف نعيد الابتسامة إلا شفاهنا وكيف نعيد الصفاء إلا مشاعرنا وعلاقاتنا ولماذا نستمر في ضياعنا ونحن نمتلك العقول والمنهج والعقيدة والقلوب الواعية بل كيف يمكننا أن نعيش حبا صادقا وإحساسا عميقا بعد أن فقدنا كل مقومات ذلك في قرارات أنفسنا وكيف نثق بعلاقاتنا بعدما صدمنا مرارا من اقرب الناس إلا قلوبنا بعدما وهبنا كل ما لدينا من أحاسيس ومشاعر إلا أشخاص تلاعبوا بها وكأننا لا نملك أي إحساس أو مشاعر مثلما يملكون ولم يتخيلوا أن هذه العادات والتصرفات المكتسبة من الخارج إنما هي أسفل وأحط مستويات الإنسانية وتعكس صغر حجم وحقارة من تتمثل به .

نأسف على القليل ونعدكم بالكثير مستقبلا

العقرب أسير الظلام
جمال بن سعد
7-2-2011
4-3-1432